برنامج الارشيف الاسرائيلي _ ناصر اللحام

برنامج الارشيف الاسرائيلي _ ناصر اللحام يهود البلاد العربية أ- مقدمة: اندمج يهود البلاد العربية في حياة البلاد وتمتعوا بجميع الحقوق التي تمتع بها المواطنون العرب. وهذا أمر لم يتوافر لليهود في أي مكان آخر. ففي الوقت الذي عاشوا فيه في أوروبا داخل اطار الغيتو* وتعرضوا للاضهاد الديني كانوا في البلاد العربية يشعرون بأنهم جزء من المجتمع المحلي، مع احتفاظهم بحريتهم الدينية وتراثهم وانتمائهم الطائفي. وقد وجهت الحركة الصهيونية، ولا سيما بعد قيام الكيان الصهيوني حملة مركزة لزعزعة وجود اليهود في مجتمعاتهم العربية زحملهم على الهجرة الجماعية إلى (اسرائيل) لدعم قدراتها البشرية والاقتصادية. وأخذت الدراسات الصهيونية تركز على أوضاع الطوائف اليهودية في البلاد العربية وتظهرها مجتمعات منفصلة تعيش في الشتات* وتنتظر العودة إلى “أرض الميعاد”. حرص العرب في صراعهم مع الحركة الصهيونية على أن يؤكدوا دائما التمييز بين المواطنين اليهود الذين عاشوا معهم على مر العصور واليهود الصهيونيين الذين حملوا الفكرة السياسية العدوانية المتمثلة في الدعوة إلى الوطن القومي اليهودي. ب- الأصل واللغة والفرق والأعداد: يعود الوجود اليهودي في البلاد العربية إلى موجات متتالية أقدمها في القرن السادس قبل الميلاد. وقد دأب اليهود في كتلة أهل البلاد وتكلموا العربية. ثم كانت الموجة اليهودية الكبرى من اسبانيا بعد زوال الحكم العربي (وهم السفارديون* الناطقون بلغة اللادينو) فانتشر القادمون في البلاد العربية حتى آسيا الصغرى وأصبحت العربية اللغة المشتركة بينهم وبين يهود البلاد القدامى. ثم بدأت مع بداية القرن التاسع عشر هجرة اليهود من شرقي أوروبا إلى الدولة العثمانية (وهم الأشكنازيون* الذين يتكلمون في الغالب لغة الييديش). وقد زادت هذه الهجرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتوجهت مع ظهور الحركة الصهيونية نحو فلسطين (رَ: الهجرة الصهيونية إلى فلسطين). ويقسم يهود البلاد العربية من حيث فرقهم الدينية إلى فئتين: الأولى فئة اليهود الحاخاميين Rabbinite، والثانية هي الفئة التي تضم جماعة القرائين Karaites وفرقة السامريين Samaritans. ولا يمكن معرفة عدد اليهود في البلاد العربية بدقة قبل عام 1948. وقد قدرت الوكالة اليهودية* عددهم (باستثناء يهود فلسطين) في الاحصاء الذي قدمته إلى لجنة التحقيق الأنكلو- أمريكية* عام 1946 بنحو 800 ألف يهودي. غير أن احصاءات أخرى أكثر دقة تشير إلى أن عددهم كان يراوح بين 644 ألفا و701 ألف وكانوا موزعين في الأقطار العربية المتعددة. أما يهود فلسطين فقد بلغ عددهم في عام 1948 حسب التقرير الذي أعدته اللجنة الخاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين* وصدر على أساسه قرار التقسيم 208,000 نسمة، بينما كان عدد عرب فلسطين يومذاك، وكما ورد في التقرير ذاته، 1,237,000 (الوثيقة A/346). ج- أوضاع اليهود: تمتع اليهود منذ القديم بحرية العبادة وحق تنظيم الأمور الشخصية والطائفية حسب شرائعهم الخاصة. واحتل كثير منهم في ظل الدولة العربية الاسلامية مراكز هامة في ميداني التجارة والعلم. وكانت اللغة العربية سائدة بينهم. وقد تعرض اليهود – كسائر أهل البلاد – للآثار الناجمة على تراجع السيادة العربية في جناحي الدولة العربية في المشرق والمغرب. عاش يهود البلاد العربية في العهد العثماني في ظروف جيدة على نقيض ما كانوا عليه في أوروبا. ولذلك هاجر من 100,000 يهودي من أوروبا إلى ممتلكات الدولة العثمانية، وفيها البلاد العربية. وقد وصلوا إلى مراكز عالية في ميادين التجارة والطب والدبلوماسية. وتمتعوا باستقلال في شؤونهم كطائفة دينية في ظل نظام “الملة”، ومثلهم “الحاخام باشي” أمام الباب العالي في استانبول. وكان لهم روساؤهم المحليون ومجالسهم الدينية الخاصة. وقد تضمن الخط الهمايوني سنة 1856 نصوصا هامة بحقوق اليهود وسلطة رؤسائهم وادارة مؤسساتهم. مع ازدياد النفوذ الأجنبي واغراء الحضارة العربية وانتشار مدارس الارساليات تبنى اليهود الثقافة والعبادات الغربية،مثاهم مثل كثير من الأقليات. وقد حصل عدد من يهود الطبقتين العليا والوسطى في مصر وسورية وشمالي افريقيا في ظل نظام الامتيازات على جنسيات أوروبية فنالوا الحماية الأجنبية وربطوا مصالحهم بمصالح الدول الاستعمارية الاوروبية الكبرى. وكان من أهداف الفكرة القومية العربية الناشئة أواخر العهد العثماني وضع أسس جديدة من الحكم الدستوري والحريات والمساواة لجميع الفئات والعقائد. وبعد زوال الحكم العثماني عمدت سلطات الاحتلال الأجنبية في البلاد العربية في كسب الأقليات، ومن بينهم اليهود، للعمل في الحياة العامة على حساب الأكثرية، في حين كانت جميع الحركات والأحزاب العربية تسعى إلى خلف وحدة وطنية. وقد نصت جميع دساتير وقوانين الدول العربية التي استقلت بعد زوال الاحتلال الأجنبي على المساواة في الحقوق المدنية والسياسية، وضمنت حرية التفكير والتعليم والعبادة فتمتع اليهود في ظلها بكامل حقوقهم بالاضافة إلى احترام شؤونهم الدينية، وتولى بعضهم مناصب عالية. وهكذا لم يحدث يهود أوروبا على مر التاريخ الطويل ما يعكر صفو العلاقات بين العرب واليهود، ولم يكن هناك شعور محدد ضد اليهود “فاللاسامية” اختراع يهود أوروبا وفكرة طبقتها بعض الشعوب والأنظمة الأوروبية، وهي غريبة عن العقلية والسياسات العربية. 1) العراق: نعيش في العراق أقدم الطوائف اليهودية. وقد أتاح لهم قانون عام 1931 قدرا كبيرا من الاستقلال في الأمور الدينية وادارة مؤسساتهم الخيرية والتعليمية. وتعاظم دورهم الاقتصادي في عهد الاحتلال البريطاني، وظل هذا الدور بارزا بعد الاستقلال عام 1932. وكانت الحكومة العراقية تقدم الاعانات إلى المدارس اليهودية وتساعدها بالمعلمين رغبة منها في تشجيع الوحدة الوطنية وانتساب الطلاب اليهود إلى المدارس والكليات الرسمية. وكان اليهود في العراق نشاط سياسي في اطار الأحزاب العراقية، وطبق عليهم بعد عام 1933 نظام الخدمة العسكرية كسائر المواطنين العراقيين.